مستقبل الطب عن بُعد: تحديات وفرص الرعاية الصحية عن بُعد في المنطقة العربية
في عصر التطور التكنولوجي المتسارع، أصبح الطب عن بُعد (التطبيب عن بعد) واحداً من أهم الابتكارات التي غيرت وجه الرعاية الصحية في العالم. وقد ازدادت أهمية هذه التقنية بشكل كبير خلال جائحة كوفيد-19، حيث أصبحت وسيلة أساسية لتقديم الخدمات الصحية مع الحفاظ على التباعد الاجتماعي. في هذا المقال، سنستعرض مفهوم الطب عن بُعد، والفرق بينه وبين الرعاية الصحية عن بُعد، وتطبيقاته المختلفة، والتحديات والفرص التي يواجهها في المنطقة العربية.
ما هو الطب عن بُعد (التطبيب عن بعد)؟
الطب عن بُعد (بالإنجليزية: Telemedicine) هو الاسم الحديث لاستخدام نظم المعلومات والاتصالات لمساعدة الرعاية الصحية عن طريق استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتقديم الخدمات الطبية عن بُعد. وبعبارة أخرى، هو الرعاية الصحية المُقدّمة عن بعد، وعادة ما تكون عن طريق الهاتف أو الإنترنت.
على الرغم من أن للزيارات الشخصية مزايا عديدة، إلَّا أنَّ التطبيب عن بعد يُعد بديلاً قيِّمًا عندما تكون الزيارات الشخصية غير آمنة أو غير ممكنة. وقد أتاحت التقنيات الحديثة للأطباء التفاعل مع مرضاهم عندما لا يستطيعون الالتقاء بهم شخصياً أو عندما لا ينبغي لهم ذلك.
الفرق بين الرعاية الصحية عن بعد والتطبيب عن بعد
هناك فرق بين مصطلحي الرعاية الصحية عن بعد (Telehealth) والتطبيب عن بعد (Telemedicine)، وإن كان يمكن استخدام كل مصطلح بدلاً عن الآخر في بعض الأحيان. يكمن الفرق الأساسي في أن مصطلح الرعاية الصحية يُعدّ أكبر وأشمل من مصطلح التطبيب عن بعد.
الرعاية الصحية عن بعد (Telehealth)
الرعاية الصحية عن بعد هي استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات الرقمية للوصول إلى خدمات الرعاية الصحية عن بُعد وإدارة الرعاية الصحية المقدمة إليك. وتشمل أهداف الرعاية الصحية عن بعد:
- تيسير حصول الأشخاص الذين يعيشون في المجتمعات الريفية أو المناطق النائية على الرعاية الصحية.
- الحفاظ على سلامتك وسلامة الآخرين في حالة الإصابة بمرض مُعْدٍ.
- تقديم الرعاية الأولية للعديد من الحالات.
- تيسير تقديم الخدمات وزيادة توفرها للأشخاص ذوي القدرة المحدودة على الحركة أو ممن لديهم وقت محدود أو وسائل نقل محدودة.
- إتاحة الوصول إلى الأطباء المتخصصين.
- تحسين التواصل وتنسيق الرعاية بين أفراد فريق الرعاية الصحية والشخص الذي يتلقى الرعاية.
- تقديم المشورة بشأن الإدارة الذاتية للرعاية الصحية.
تشمل خدمات الرعاية الصحية عن بعد:
- معلومات إلكترونية تشمل الصور، والفيديوهات، والمقالات الطبية والعلمية.
- المواعيد الافتراضية بين الطبيب والمريض أو مجموعة من المرضى باستخدام مكالمات الفيديو والصوت.
- جميع الخدمات الصحية وغير الصحية التي يمكن تقديمها عن بعد للمريض.
- تبادل الخبرات والمعلومات الصحية بين الأطباء، أو بين الأطباء والمرضى، أو بين الأطباء والعائلات.
- جدولة المواعيد المتعلقة بموعد الطبيب، والفحوصات، وجلسات العلاج الطبيعي.
- تذكير المرضى بواسطة الرسائل النصية بموعد تلقّي لقاح معين.
التطبيب عن بعد (Telemedicine)
يشمل مصطلح التطبيب عن بعد القيام بتقديم الخدمات الطبية فقط وبشكل خاص عن بعد خصوصًا للأشخاص القاطنين في الأماكن البعيدة. وتشمل خدمات التطبيب عن بعد:
- المواعيد الافتراضية مع الطبيب التي تتضمن التشخيص، والعلاج، وكيفية الوقاية من الجروح والأمراض.
- إرسال الصور من قبل المريض إلى الطبيب والتي تساعد الطبيب على التشخيص، مثل: إرسال صورة لجرح ما أصاب المريض على سبيل المثال.
- تذكير المريض والطبيب بمواعيد المراجعات الدورية بعد العلاج خصوصًا للأشخاص المصابين بالأمراض المزمنة.
- مراجعة الطبيب للمريض بعد إجراء العمليات الجراحية.
- مراجعة المريض لطبيب مختص.
- معاينة الأعراض المرضية المبدئية التي تظهر على المرضى.
تقنيات الطب عن بُعد
ينطوي التطبيب عن بعد على استخدام مجموعة متنوعة من التقنيات، منها:
1. المكالمات الهاتفية
تعد المكالمات الهاتفية من أبسط وأقدم وسائل التطبيب عن بعد، حيث يمكن للمريض التواصل مع الطبيب عبر الهاتف للحصول على استشارة طبية أو متابعة حالته الصحية.
2. الرسائل النصية
يمكن استخدام الرسائل النصية للتواصل بين الطبيب والمريض، وخاصة لتذكير المرضى بمواعيد الأدوية أو الفحوصات الطبية.
3. رسائل البريد الإلكتروني
عادةً ما تُرسل عبر بوابة المريض - موقع آمن يحتفظ فيه بالسجلات الإلكترونية للمريض، بما في ذلك الوصفات الطبية، والتاريخ الصحي، ونتائج الاختبارات المعملية.
4. محادثات الفيديو عبر شبكة الإنترنت
تتيح محادثات الفيديو للطبيب والمريض التواصل وجهاً لوجه عبر الإنترنت، مما يسمح للطبيب بمعاينة المريض ومشاهدة الأعراض المرئية.
5. تطبيقات المراقبة عن بُعد
تتوفر تقنيات كثيرة تتيح للطبيب أو فريق الرعاية الصحية فحص حالة المريض الصحية عن بُعد، مثل:
- تطبيقات الويب أو الأجهزة المحمولة الخاصة بتحميل معلومات إلى الطبيب أو فريق الرعاية الصحية.
- الأجهزة التي تقيس ضغط الدم أو السكر في الدم أو مستويات الأكسجين، وتنقل البيانات لاسلكيًا.
- الأجهزة التي يمكن ارتداؤها، وتسجِّل البيانات الصحية وترسلها إلى الطبيب.
الفئات المستفيدة من الطب عن بُعد
يمكن للتطبيب عن بعدُ أن يكون مفيدًا للفئات التالية من الأشخاص:
الأشخاص في المناطق النائية: الذين لديهم فرص محدودة للحصول على الرعاية الصحية، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية أو في مواقع بعيدة عن عيادة الطبيب.
الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة: الذين يواجهون صعوبة في الحركة، مثل مرضى داء باركنسون أو غيرها من المشاكل الحركية.
الأشخاص بدون وسائل نقل: الذين لا تتوفر لديهم وسائل نقل كافية للوصول إلى المرافق الصحية.
في حالات الأوبئة: اضطراب أو وضع خاص (مثل، انتشار وباء فيروسي) يجعل الزيارة الحضورية أقل أمنًا.
مرضى الأمراض المزمنة: غالبًا ما يمكن تدبير الحالات المزمنة التي تتطلب مراقبة متكررة، بما في ذلك قراءة القياسات الحيوية في المنزل، مثل ضغط الدم وسكر الدم، عن طريق التطبيب عن بعد.
مزايا الطب عن بُعد
للطب عن بُعد العديد من المزايا، منها:
توفير الوقت والجهد: يوفر الطب عن بُعد الوقت والجهد للمرضى، حيث لا يحتاجون إلى السفر أو الانتظار في العيادات.
تقليل التكاليف: يمكن أن يساعد الطب عن بُعد في تقليل تكاليف الرعاية الصحية، سواء للمرضى أو لنظام الرعاية الصحية ككل.
تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية: يسهل الطب عن بُعد وصول المرضى في المناطق النائية أو ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الخدمات الصحية.
تقليل خطر العدوى: يقلل الطب عن بُعد من خطر انتقال العدوى، وهو أمر مهم خاصة في أوقات انتشار الأوبئة.
متابعة أفضل للحالات المزمنة: يسمح الطب عن بُعد بمتابعة أفضل للحالات المزمنة، حيث يمكن للأطباء مراقبة حالة المرضى باستمرار.
تحديات الطب عن بُعد في المنطقة العربية
على الرغم من المزايا العديدة للطب عن بُعد، إلا أنه يواجه بعض التحديات في المنطقة العربية، منها:
البنية التحتية التكنولوجية: تعاني بعض المناطق في العالم العربي من ضعف البنية التحتية التكنولوجية، مثل ضعف شبكات الإنترنت أو عدم توفرها في بعض المناطق النائية.
الوعي والقبول: قد يكون هناك نقص في الوعي بأهمية الطب عن بُعد وفوائده، أو مقاومة للتغيير من قبل بعض المرضى أو حتى بعض مقدمي الرعاية الصحية.
التشريعات والقوانين: قد تكون هناك تحديات قانونية وتنظيمية تتعلق بممارسة الطب عن بُعد، مثل قضايا الترخيص والمسؤولية القانونية وخصوصية البيانات.
التكلفة: قد تكون تكلفة تنفيذ أنظمة الطب عن بُعد مرتفعة، خاصة في البلدان ذات الموارد المحدودة.
الفجوة الرقمية: قد يكون هناك فجوة رقمية بين مختلف فئات المجتمع، حيث قد لا يتمكن بعض الأشخاص من الوصول إلى التكنولوجيا اللازمة للاستفادة من خدمات الطب عن بُعد.
مستقبل الطب عن بُعد في المنطقة العربية
على الرغم من التحديات، يبدو مستقبل الطب عن بُعد في المنطقة العربية واعدًا، وذلك للأسباب التالية:
زيادة الاستثمار في التكنولوجيا: تشهد العديد من الدول العربية زيادة في الاستثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية، مما سيسهل انتشار الطب عن بُعد.
تغير السلوك بعد جائحة كوفيد-19: أدت جائحة كوفيد-19 إلى تغيير في سلوك المرضى ومقدمي الرعاية الصحية، حيث أصبح هناك قبول أكبر للطب عن بُعد.
دعم الحكومات: تقدم العديد من الحكومات العربية دعمًا متزايدًا للطب عن بُعد، من خلال سن التشريعات المناسبة وتوفير التمويل اللازم.
تطور التكنولوجيا: مع تطور التكنولوجيا، ستصبح خدمات الطب عن بُعد أكثر تطورًا وفعالية، مما سيزيد من فوائدها.
زيادة الوعي: مع زيادة الوعي بفوائد الطب عن بُعد، سيزداد الإقبال عليه من قبل المرضى ومقدمي الرعاية الصحية.
كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من التطبيب عن بعد
إن تحقيق الفائدة القصوى من التطبيب عن بعد يشبه إلى حد بعيد تحقيق الفائدة القصوى من أي زيارة رعاية صحية، مع بعض الاعتبارات الإضافية:
اختبار التقنية قبل الزيارة: من المهم اختبار التقنية المستخدمة قبل الزيارة الافتراضية المجدولة. وبهذه الطريقة، يكون هناك وقت لحل أية مشاكل.
ترقية الوسائل التقنية: قد يكون من الضروري ترقية الوسائل التقنية المستخدمة لتلبية متطلبات التطبيب عن بعد (على سبيل المثال، عن طريق زيادة عرض حزمة البيانات على الإنترنت).
الاستعداد للزيارة: قد يساعد ذلك على اتخاذ بعض الاستعدادات للزيارة المحددة (على سبيل المثال، التقاط صور لطفح جلدي ورفعها على الإنترنت).
وجود خطة احتياطية: بغض النظر عن مدى جودة عمل الوسائل التقنية، فمن المهم وجود خطة احتياطية في حال فشل الاتصال الرئيسي.
الخلاصة
يمثل الطب عن بُعد ثورة في مجال الرعاية الصحية، حيث يوفر وسيلة فعالة لتقديم الخدمات الصحية عن بُعد، مما يسهل وصول المرضى إلى الرعاية الصحية ويقلل من التكاليف ويحسن من جودة الرعاية. وعلى الرغم من التحديات التي يواجهها في المنطقة العربية، إلا أن مستقبله يبدو واعدًا، خاصة مع زيادة الاستثمار في التكنولوجيا وتغير السلوك بعد جائحة كوفيد-19 ودعم الحكومات.
ومع ذلك، يجب التأكيد على أن الطب عن بُعد ليس بديلاً كاملاً عن الزيارات الشخصية، بل هو مكمل لها. فهناك حالات تتطلب الفحص الشخصي والتدخل المباشر من قبل الطبيب. لذا، يجب استخدام الطب عن بُعد بحكمة وفي الحالات المناسبة.
المصادر
- دليل MSD الإرشادي - استخدام التطبيب عن بعد
- مايو كلينك - الرعاية الصحية عن بُعد: التكنولوجيا تلبي مطالب الرعاية الصحية
- ويب طب - الفرق بين الرعاية الصحية عن بعد والتطبيب عن بعد
- ويكيبيديا - طب عن بعد